ملخّص:
إنَّ فكرة المسؤولية المدنية – بصورة عامة - في تطور مستمر، منذ أن انفصلت الدعوى المدنية عن الدعوى الجزائية، ولعل تحديد أساس المسؤولية المدنية، موضوع قطع فيه الفقهاء القانونيون شوطاً كبيراً، متنقلين بين فكرة الخطأ من كونه مفترضاً أو بسيطاً، إلى فكرة الضرر التي بدت أقرب كطريقٍ لتحقيق العدالة، ولم تفلت المسؤولية المدنية الطبية من هذا التطور، بل زادت تعقيداً لبعض الموضوعات بوضعها العام؛ وهذا يعود إلى حقيقة وجود الضرر أمام صعوبة تحديد الخطأ، أو بصورة أدق صعوبة تحديد معيار وضابط للخطأ؛ لتعلق الخطأ الطبي بأمور فنية طبية علمية، ومصاحبة الاحتمالية لهدف الشفاء.
تكمن أهمية توضيح قواعد المسؤولية الطبية – بوجه عام – في ضرورة تحقيق الاستقرار والطمأنينة سواء كان ذلك بالنسبة إلى المرضى - الذين يعدون الطرف الأضعف في هذه العلاقة – أو بالنسبة إلى الأطباء – أو مقدمي الخدمة – في مواجهة قواعد المسؤولية، وبالنتيجة تصب نتيجة توضيح هذه القواعد في استقرار مجتمعي في محور مهم مثل المحور الصحي والطبي، فهو ضرورة ملحة، وليس بمجرد تنظيم يُمكن تحمله بما يحمل من أخطاء أو نقص.
لعل التعامل مع الجسم البشري، لتخفيف آلامه، وإزالة ما يتعرض له من علل وأمراض، هو وراء موافقتنا على السماح للطبيب – كشخصٍ وحيد – مختارين، بالمساس بما يُمثل بالنسبة إلينا أثمن شيء في الوجود، وأمام حقيقة هذا الاحتياج، فضلاً عن الفرق الكبير بين المستوى العلمي الذي يكون عليه الطبيب، والمستوى العلمي للمريض – المفترض-، بالإضافة إلى عوامل متعددة أخرى، كل هذا شارك في اختلال التوازن بين طرفي العلاقة التي تجمع الطبيب بالمريض، وهذه إحدى الأسباب التي دعت المشرعين إلى تنظيم قواعد المسؤولية الطبية بشكل عام، وما يهم كتابنا هذا: قواعد المسؤولية المدنية الطبية فقط، وما تثيرها من مشكلات، بل أهم المشكلات؛ إذ لا أسعى في هذا الكتاب إلى عرض المسؤولية المدنية الطبية في التعرض لأحكامها، وأركانها، فلا أريد عرض مزيد من المسلمات التي قد تكون ثابتة، فأهدر وقت القارئ الكريم، أو يضطر إلى الهرب بنظره، مسرعاً بتجاوز الكلمات والعبارات، بل سأحترم الوقت المخصص من قبله لقراءة هذا الكتاب، واتعرض لأهم مشكلات المسؤولية المدنية الطبية، سواء كانت تلك العامة أو الناجمة عن التدخلات الخاصة.
شاركت بعض العناصر والظروف كالتقدم العلمي في مجال العلاج ووسائله وأدواته، ابتداءً من وسائل التشخيص مروراً بالعلاج حتى المراقبة، فضلاً عن ذلك دخول موضوعات جديدة، يُمكننا تسميتها بالتدخلات الطبية الخاصة – مثالها – التجارب الطبية، والهندسة الوراثية، وتغيير الجنس، والمساعدة على الإخصاب والانجاب، كل هذا زاد من تعقيد موضوعات المسؤولية المدنية الطبية، وهذا ما نجده واضحاً في القانون الأردني والإماراتي اللذين انتهجا نهج العديد من المشرعين، الذين اهتموا بتنظيم التدخلات الخاصة - في أعلاه – على وفق مواد مفصلة وذلك لأهميتها وتأثيرها المباشر في الإنسانية، فإنَّ ترك العمل بها على وفق ما يتيحه التقدم الطبي العلمي مقروناً بموافقة مقدم الخدمة ومتلقيها أمرٌ لا يمنع من قيام مسؤولية مقدم الخدمة، بل يجب أن تقدم هذه الخدمة – التدخلات الخاصة – على وفق الطريق الذي يرسمه المشرع؛ والخروج عنه يمثل في كثير من الأحيان خرقاً للنظام العام والآداب العامة.
يتناول الكاتب أهم مشكلات المسؤولية المدنية الطبية على وفق قانون المسؤولية الطبية والصحية رقم (25) لسنة 2018 الأردني، على وفق دراسة تحليلية مقارنة بقانون اتحادي رقم (4) لسنة 2016 بشأن المسؤولية الطبية الإماراتي، ويسترشد الكاتب ببعض التشريعات الأوربية – كالقانون الفرنسي والإنكليزي - وبعض التشريعات العربية – كالقانون المصري والسعودي- مع الاسترشاد بالتوجهات القضائية لمحاكم النقض الفرنسية والمصرية ومحكمة التمييز الأردنية.
إذ إنَّ الأعمال الطبية تقسم بشكل عام على أعمال تقليدية، وأخرى فنية حديثة أو خاصة1، فإنَّ المشكلات التي يُمكن أن تثار في موضوع المسؤولية المدنية الطبية، هي مشكلات عامة، وأخرى خاصة، عليه أتناول هذا الكتاب في فصلين: الأول: أهم مشكلات المسؤولية المدنية الطبية العامة، والثاني: أهم مشكلات المسؤولية المدنية الطبية الخاصة.